ندوة علمية حول: الرهانات الدستورية والسياسية للجهوية: الآفاق المغربية والتجارب الأجنبية

ندوة علمية حول: الرهانات الدستورية والسياسية للجهوية: الآفاق المغربية والتجارب الأجنبية

الجمعة وصباح السبت، 24 و25 مارس 2006 

إذا كان موضوع الجهوية يكتسي حاليا في بلدنا طابعا ظرفيا جليا فلأنه، في العمق، يتجاوز هذا الطابع ويحيل على إشكالية دائمة وبنيوية ترافق تطور المجتمعات السياسية، كل حسب درجة التطور ومتطلباته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

– وبطبيعة الحال، تعيش الدول، متفرقة أو مندمجة في مجموعات، مستويات من الجهوية، يمثل فيها الانتقال من مستوى إلى آخر العملية الأكثر صعوبة وحساسية، نظرا لما لها مبدئيا وعمليا، من نتائج متدرجة على البنية الدستورية والسياسية للدولة.

يبدو المستوى الأول في الجهوية الواردة في إطار لامركزية أولية تقتصر على إنشاء جهات بمثابة جماعات محلية، تتوفر على درجة من الاستقلال الإداري والمالي الذي يمكنها من تدبير شؤونها المحلية الجهوية بمراقبة معينة من طرف الدولة. ويتعلق الأمر،من غير شك، بدرجة أعلى من الجهوية المنظمة في إطار اللامركزية، حيث الدولة تدبر سياستها بشق جهوي، بوسائلها الإدارية والبشرية في إطار جهات محددة لاممركزة. (النموذج   المغربي  تباعا  في  سنتي  1971 و 1996).

أما المستوى الثاني، فهو بدون أن يشكل قطيعة مع اللامركزية، فهو يحدث هذه القطيعة داخلها، وذلك بإحداث جهات ذات استقلالية بطابع سياسي يحدد أوصافه وأبعاده الدستور أولا والقانون ثانيا. وهكذا لا يمكن أن يتعلق الأمر بنموذج وحيد وقائم المعالم والحدود سلفا من الناحية النظرية، ولكن بإطار له من الخصائص والمضامين ما يترتب عن متطلبات التطوير السياسي التي تكون الدولة إطارا لها، وفي حدود تتعدى مجرد اللامركزية الإدارية والمالية، وتقف عند الإدارة الذاتية داخل الدولة.

وانطلاقا من هذا المستوى الثاني، يبدو المستوى الثالث تطويعا أكبر لبنية الدولة بوسائل وتحديات أكثر تركيبا وانفتاحا على إمكانيات تطويرية قد يختلط فيها المتوقع بغير المتوقع. وهكذا تصبح الدولة مندمجة في مجموعة جهوية لها، في درجة قصوى، من المعايير والتشريعات والتدابير الخاصة بها ما يفرض على الدولة الملائمة إلى حدود انضباط قوانينها الوطنية بقواعد المجموعة الجهوية. بل قد تقوم العلاقة مباشرة بين هذه المجموعة الجهوية للدول والجهات داخل نفس الدولة إذا كانت تقوم على التنظيم الجهوي يتوفر على إمكانية التدبير الذاتي الداخلي، وذلك في مجالات محددة كالإعانات وتدبير سياسات جهوية معينة.

– وإذا كانت هذه المستويات المستعرضة من الجهوية تتخللها أو تتعداها نماذج أخرى في تنظيم الدولة أو مجموعة الدول،  كالتنظيمات الكنفدرالية أو الفيدرالية، مغنية بذلك مفهوم الجهوية ومساهمة في توضيح الانتقال من مستوى إلى آخر، فإن كل مستوى من الجهوية يبقى قائما بذاته ويستحق إضاءة خاصة به، تظهر ديناميته وآفاقه في كل تجربة على حدة. وهكذا تتوفر في حالة المغرب عناصر تمكن من معاينة وتحليل دينامية معينة، في مجال التجربة الجهوية بجوانبها التاريخية والدستورية والتشريعية والتنظيمية والإدارية، وتفتح بالتالي، في حد ذاتها، وبفضل التحليل المقارن للتجارب – المتقدمة بصفة خاصة – على سؤال تطويرها بالنظر إلى ما اعترى محيطها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي من تغييرات ملموسة.

– وإذا كانت الجمعية المغربية للقانون الدستوري قد ارتأت تنظيم ندوة دولية بهذا الشأن، فإن ذلك لا يجد مصدره في أهمية الموضوع فحسب، وإنما أيضا في الدور الذي تضطلع به كمجموعة علمية، من طبيعته تخطي المعاني المتداولة إلى تحديد المعاني الدقيقة وما يرافقها من ملابسات موضوعية ومنهجية، خاصة في المجال  الذي ينتقل بالجهوية من مستواها الحرفي بما له من ضمنيات ترابية، تنظيمية وإدارية، إلى مستواها الدستوري الذي يعني بسؤال المجموعة السياسية ككل، منظورا إليها في إطار الوثيقة الدستورية التي تمأسس وجودها وتؤطر صيرورتها.

وتتحقق بطبيعة الحال هذه الانشغالات في المحاور الكبرى التي أعدتها الجمعية للدراسة والمناقشة، وتدور اختصارا حول مفهومي الجهة والجهوية مع ما يرافقهما من اصطلاحات مكملة أو متقاطعة، والفحص الموضوعي للتجارب الأجنبية، وذلك بغية الوصول إلى توضيح الجهوية من حيث أسسها ونظمها ورهاناتها وآفاقها الدستورية والقانونية والسياسية.